عالم المحيطات الغامض: 95% من الأعماق لا تزال مجهولة والعلماء يرصدون كائنات “خارقة”

تشكل المحيطات، بعالمها المترامي الأطراف والغامض، أحد أكبر التحديات المعرفية التي تواجه البشرية. لا يزال العلماء يقفون بحيرة أمام أسرارها العميقة، حيث تظل مساحات شاسعة منها طي المجهول، مليئة بالألغاز التي تنتظر من يحلها. ومع كل تطور علمي أو حدث طارئ في الأعماق، يتضح للعالم حجم ما نجهله عن هذا العالم المحكوم بالغموض.

الحجم الهائل للمجهول

تغطي المحيطات حوالي 71% من سطح كوكبنا وتحتوي على 97% من إجمالي مياه الأرض. وعلى الرغم من أهميتها الحيوية، فإن المعرفة البشرية بها لا تزال سطحية للغاية. يصرح علماء المحيطات أن ما تم استكشافه لا يتجاوز 5% فقط من هذا العالم المائي الشاسع.

هذا يعني أن القسم الأعظم من الأعماق لا يزال بكراً لم تصله يد الإنسان. وتشير التقديرات إلى أن هذه الأعماق قد تكون موطناً لأكثر من مليوني نوع من الكائنات البحرية التي لم تُكتشف بعد، بالإضافة إلى 230 ألف نوع معروف حالياً.

عمالقة الكوكب الخمسة

ينقسم الغلاف المائي للأرض إلى خمسة محيطات رئيسية:

  • المحيط الهادئ: هو الأكبر بلا منازع، يغطي أكثر من ثلث سطح الأرض بمساحة تصل إلى 165.2 مليون كيلومتر مربع، ويحتضن أعمق نقطة معروفة في العالم، “خندق ماريانا”، بعمق يصل إلى 11,521 متراً.

  • المحيط الأطلسي: تبلغ مساحته 82.4 مليون كيلومتر مربع، وتصل أعمق نقطة فيه إلى 9,219 متراً في “خندق بورتوريكو”.

  • المحيط الهندي: تبلغ مساحته حوالي 73.4 مليون كيلومتر مربع، وأعمق نقطة فيه هي “وحدة جاوة” بعمق 7,455 متراً.

  • المحيط المتجمد الشمالي: يغطي القطب الشمالي بمساحة 14 مليون كيلومتر مربع، وهو جليد دائم لا يرتكز على يابسة، وتصل درجات الحرارة فيه إلى 70 درجة تحت الصفر.

  • المحيط المتجمد الجنوبي (الجنوبي): يحيط بالقارة القطبية الجنوبية، بمساحة 20 مليون كيلومتر مربع، وتتجمد مياهه معظم أيام السنة.

اكتشاف التضاريس الخفية

للمفارقة، ورغم التقدم الهائل في استكشاف الفضاء، ظل استكشاف المحيطات متأخراً. على سبيل المثال، “أعراف منتصف المحيط”، وهي أهم سلسلة جبال تحت الماء وتقع في منتصف الأطلسي، لم تُكتشف إلا عام 1973، أي بعد أربع سنوات من هبوط الإنسان على القمر.

في الخمسينيات، وعند إجراء أول مسح دقيق للأعماق باستخدام أجهزة “السونار”، كانت النتائج مفاجئة للعلماء. فالقاع الذي كان يُعتقد سابقاً أنه مسطح، تبين أنه عالم مليء بالتضاريس الوعرة التي تفوق في كثير من الأحيان نظيرتها على اليابسة، بما في ذلك جبال شاهقة وسلاسل من البراكين تحيط بالأرض.

لقاء “خارق للطبيعة” في أعماق الهادئ

يأتي استكشاف الأعماق دائماً بفرص لمواجهة كائنات غريبة ورائعة. مؤخراً، وأثناء رحلة استكشافية لسفينة الأبحاث “E/V Nautilus” التابعة لـ “Ocean Exploration Trust”، رصد العلماء أخطبوطاً ذا مظهر “خارق للطبيعة” على عمق 5,000 متر (16,400 قدم) في السهول السحيقة جنوب المحيط الهادئ، على بعد 160 كيلومتراً من جزر كوك.

وصفت ماديسون دابسيفيتش، مسؤولة الاتصالات في الرحلة، المشهد بأنه “عرض من عالم آخر”. بدأ الأخطبوط رقصته على قاع البحر، ثم انجرف في عمود الماء، فاتحاً فمه للكاميرا قبل أن يختفي في الظلام السحيق. وتمت هذه المشاهدة المثيرة أثناء تبديل نوبات المراقبة، حيث كان الفريق المناوب يُلقب بـ “نوبة الأخطبوط” (octo-watch) لكثرة رصدهم لهذه الرخويات.

أسرار الحياة في الظلام الدامس

يُعتقد أن الأخطبوط المرصود ينتمي إلى عائلة Cirroteuthidae، والتي تتميز بوجود غشاء كبير يربط بين أذرعها، مما يمكنها من السباحة بزعانفها أو الانجراف بأذرع ممدودة.

لا يُعرف الكثير عن دورات حياة هذه المخلوقات نظراً لصعوبة دراستها في بيئتها القاسية. وأوضحت دابسيفيتش أن الحياة في هذه السهول السحيقة فريدة، حيث طورت الكائنات الحية تكيفات مميزة لتحمل الضغط الهائل، ودرجات الحرارة القريبة من التجمد، والظلام المطلق.