المريخ: من سر “الكوكب الأحمر” إلى البحث عن آثار الحياة

لطالما أثار كوكب المريخ، جارا الأرض، فضول العلماء وعامة الناس بلونه الأحمر المميز، وهو ما منحه لقب “الكوكب الأحمر”. لكن وراء هذا اللون قصة جيولوجية معقدة وتاريخًا حافلاً بالأسرار التي بدأت تتكشف بفضل أحدث مهام استكشاف الفضاء.

سر اللون الأحمر

يعود اللون الأحمر الذي يغطي سطح المريخ بشكل أساسي إلى وجود أكسيد الحديد، أو ما يُعرف بالصدأ. وتشير التقديرات العلمية إلى أن المريخ تكوّن قبل حوالي 4.5 مليار سنة، وفي تلك الحقبة السحيقة، تشكلت المواد المكونة لسطحه.

وعلى عكس كوكب الأرض الذي ابتلع معظم الحديد في باطنه بفضل جاذبيته القوية، فإن جاذبية المريخ الأضعف أبقت كميات هائلة من الحديد منتشرة على سطحه. ومع مرور الزمن، تعرض هذا الحديد لعمليات أكسدة، فتحول إلى الصدأ الذي نراه اليوم، ليمنح الكوكب بأكمله لونه الصدئ الشهير.

مهمة “برسيفيرنس”: فصل جديد من الاستكشاف

في خطوة تاريخية لاستكشاف أسرار المريخ، نجحت وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” في إنزال مركبتها الجوالة “برسيفيرنس” (المثابرة) على سطح الكوكب. ولم تكتفِ المهمة بالوصول، بل أحدثت ثورة في متابعة استكشاف الفضاء، حيث بثت للعالم أول مقطع فيديو يصور عملية الهبوط على سطح كوكب آخر، والذي أظهر اللحظات الحاسمة لفتح المظلة وهبوط المركبة وسط سحابة من الغبار.

إضافة إلى ذلك، تمكنت المركبة من تسجيل أول مقطع صوتي من على سطح المريخ، وهو عبارة عن تسجيل خافت لصوت هبوب الرياح، مما منح البشرية فرصة فريدة للاستماع إلى أصوات عالم آخر لأول مرة. وقد وصف مايكل واتكينز، مدير مختبر الدفع النفاث في ناسا، اللقطات بأنها “رائعة حقًا”، مؤكدًا أنها المرة الأولى التي يتم فيها تصوير حدث مماثل.

ما وراء اللون: البحث عن دلائل الحياة

تذهب مهمة “برسيفيرنس” إلى ما هو أبعد من مجرد استكشاف السطح، حيث تحمل على متنها أدوات متطورة مثل جهاز “PIXL” الذي يحلل التركيب الكيميائي للصخور. وبفضل هذه التقنية، كشفت دراسة حديثة قادها باحثون من جامعة رايس أن فوهة “جيزيرو”، التي هبطت فيها المركبة، شهدت فترات متعددة كانت فيها الظروف صالحة للحياة.

فقد أظهر تحليل المعادن في صخور الفوهة أن المريخ لم يكن دائمًا الكوكب البارد والجاف الذي نعرفه اليوم، بل مر بمراحل كانت تتدفق فيها المياه السائلة على سطحه. وحدد العلماء ثلاثة أنواع من التفاعلات المائية التي حدثت عبر تاريخ الفوهة:

  1. المرحلة الأولى: تميزت بوجود مياه حمضية وحارة، وهي ظروف قاسية ولكنها لا تستبعد وجود أشكال معينة من الحياة.

  2. المرحلة الثانية: شهدت وجود مياه معتدلة الحرارة وأقرب إلى الحيادية، مما يوفر بيئة أكثر ملاءمة للحياة.

  3. المرحلة الثالثة: تميزت بوجود مياه قلوية ودرجات حرارة معتدلة، وهي الظروف التي تُعتبر الأكثر دعمًا للحياة كما نعرفها.

هذه الاكتشافات لا تقدم دليلاً مباشرًا على وجود حياة سابقة، لكنها تؤكد أن المريخ، وتحديدًا فوهة “جيزيرو”، قد استضاف بيئات صالحة للحياة في عدة فترات زمنية متفرقة، مما يعزز الآمال في العثور على إجابات حول أحد أكبر ألغاز العلم: هل كنا وحدنا في هذا الكون؟